الخصخصة الحرام في اموال الأوقاف بقلم سيد علي

المشكلة أن مصطلح الخصخصة أصبح في الضمير الشعبي مريبا كلما طُرح، وهذه المرة فالخطة تتعلق بوقف إسلامي مرتبط بهوية دينية، وليس قطاعا خدميا يُمكن أن يتساهل الناس مع خصخصته.. والمشكلة المتكررة أن الحكومة تتعامل في الكثير من القضايا الجماهيرية بعدم روية، رغم أنها قد تكون على صواب وتسعى للإصلاح والتطوير.. لكن الآلية التي تتعاطى بها مع بعض الملفات الشائكة مثيرة للريبة، وكأنها تتحدى الشارع، وهو ما ظهر في أزمة الوقف الإسلامي، إذ أوحت أنها تخطط للسطو عليه لأغراض تنموية تخصها وحدها. وأوحي تعامل الحكومة مع خصخصة الوقف الإسلامي بأنها لا تُدرك تبعات الخطوة على المستويين الشعبي والديني، عندما تتحرك بعشوائية في ملف حساس مرتبط بالهوية الدينية لدى أغلبية سكانية تتعامل مع الأوقاف ككيان مقدس لا يجوز الاقتراب منه.
صحيح أن المتحدث الرسمي باسم وزارة الأوقاف أكد أن هيئة الأوقاف ناظر للوقف وليست مالكًا، وأن ما يجري هو تطوير في الإدارة وليس بيعًا، ومن المعروف أن هناك قانونا ينظم كيفية إدارة واستثمار أموال الوقف..
ويجيز القانون في حالات ضيقة التصرف في بعض العقارات، مثل بيع الحصص الخيرية التي تقل عن 50%، أو الاستبدال بالممارسة أو المزاد، بشرط الحفاظ على عائد الوقف. لكن فقهاء القانون الدستوري يرون أن هذا التوسع في البيع أو الشراكة، حتى وإن غُلّف بغلاف الاستثمار، يُعد تجاوزًا خطيرًا للغرض الأصلي للوقف، وربما يحمل شبهة عدم الدستورية لتعارضه مع المادة (90) من الدستور المصري التي تنص على التزام الدولة برعاية الوقف وحمايته.
ومنذ استيلاء الحكومة علي الأوقاف لم يعد أحد يوقف شيئا كنتيجة عملية لكل مساوئ البيروقراطية، والعجز الإداري مما يعد رادعا يمنع أهل الخير من النشاط للوقف ما داموا يعرفون أنه سيؤول إلى الإدارة الحكومية، التي إن وثقوا بأمانتها فإنهم لا يثقون بكفايتها.
ولكل ذلك احتدم الجدل بعد أن أصدر رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي تعليمات مباشرة بحصر شامل ومميكن لأصول هيئة الأوقاف تمهيدًا لتعظيم الاستفادة منها عبر الشراكة مع القطاع الخاص، وذلك في ظل توجه الحكومة نحو توسيع مشاركة القطاع الخاص في إدارة أصول الدولة..
تصاعد جدل واسع بشأن مصير أملاك هيئة الأوقاف المصرية، والتي تُعد -شرعًا وتاريخًا- وقفًا غير قابل للبيع أو التصرف إلا في حدود ضيقة تلتزم بشروط الواقفين ذلك إن أصل الوقف في الفقه الإسلامي قائم على حبس الأصل وتسبيل المنفعة.. بمعنى أنه لا يجوز بيع الأصل الموقوف، بل يخصص ريعه لأغراض حددها الواقف، مثل: الفقراء، التعليم، العلاج، أو خدمة المساجد.
وقد أجمع جمهور الفقهاء على أن الوقف لا يُباع ولا يُورث، ولا يُحول إلى ملكية خاصة، باعتباره مالًا لله تعالى. وفقهيا، فأن الرئيس ووزير الأوقاف لا يمتلكان الحق في التصرف في أموال الوقف دون الرجوع لأصحابها، وذلك استنادا إلى نص القاعدة الشرعية التي تقول إن "شرط الواقف كنص الشارع"..
وبالطبع هناك شك مؤكد في قدرة وزارة الأوقاف على إدارة أموال الوقف، وعلى الرغم من الأرقام المعلنة فإنها لا تمتلك قاعدة بيانات تفصيلية عن حجم هذه الأملاك، كما أنها لا تديرها بشكل يحقق عائدا قويا بما تعكسه القيمة السوقية لهذه الأملاك.حيث تبلغ قيمة المحفظة المالية للوزارة نحو تريليون و37 مليارا و370 مليونا و78 ألف جنيه (نحو 58 مليار دولار)، وفق إحصائيات أولية..
وتتوزع هذه الأصول بين أملاك زراعية تقدر بـ759 مليارا و181 مليون جنيه، وعقارات بقيمة تقديرية تبلغ نحو 137 مليار جنيه، وأرض فضاء تقدر قيمتها بأكثر من 141 مليار جنيه.
ومن المعلوم أن أغلبية الأملاك التي تملكها وزارة الأوقاف المصرية تعرضت للتعدي والسطو من قبل أصحاب النفوذ دون محاسبة، والتي تصل إلي أكثر 10% من إجمالي الأملاك علي الأقل.. والجدل الآن حول أموال الوقف، التي هي بالأساس أموال فقراء ومحتاجين وأيتام وطلاب علم، تُطرح الآن في سوق الاستثمار والربح -فمن يضمن ألا تلحق بها قريبًا أموال التأمينات والمعاشات، كما ألمحت بعض التصريحات الوزارية مؤخرًا عن تحويل منظومة المعاشات إلى إدارة استثمارية ذات عائد مرتفع..
ويبقي التساؤل المشروع هل يجوز التضحية بأوقاف أجيال كاملة بحجة الاستثمار؟ وهل تحوّلت الدولة من راعٍ للأمانة إلى مضارب باسم التنمية؟والخلاصة، إن حماية أموال الوقف لا ينبغي أن تكون موضع تفاوض أو حسابات سياسية واقتصادية. فبيع الوقف أو خصخصته لا يُعد مخالفة للدستور وحسب، بل خيانة لمقصد شرعي أصيل. وإن تعظيم عائدات الوقف لا يعني تسليعه، بل تطويره في إطار احترام نية الواقف والضوابط الفقهية والدستورية.
ما هو رد فعلك؟






